الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
هذه واحدة!! ثم ماذا؟{الرَّحْمنُ} ما شأنه؟ وما مظاهر رحمته؟.. ذاك سؤال! {عَلَّمَ القرآن}..وهذا جواب.. يقوم من ورائه سؤال:كيف علم القرآن؟{خَلَقَ الْإِنْسانَ}..وهذا جواب.. يثير سؤالا:وماذا بين خلق الإنسان، وتعليم القرآن؟{عَلَّمَهُ الْبَيانَ} وهذا هو الجواب.. فبالبيان الذي علمه اللّه الإنسان، تعلم القرآن..ومن وراء هذا الجواب سؤال؟وأي شيء يقرؤه هذا الإنسان الذي خلقه اللّه مستعدا للقراءة والبيان لما يقرأ؟..{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ}..{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ}..{وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ}..هذا هو جواب السؤال.. فتلك هي الصحف المنشورة، التي يقرأ فيها هذا الإنسان المهيأ للقراءة، المجهز بأدوات البيان والكشف، بما أودع فيه الخالق من عقل، وقلب، وسمع، وبصر، ولسان يصور به ما رأى ببصره، وما سمع بأذنه، وما وقر في قلبه، وما تشكل في عقله- يصور ذلك كله بكلمات واضحة مبينة، يهتدى بهديها، ويمشى في حياته على ضوئها..!. اهـ.
وقوله تعالى: {وإذ علمتك الكتاب} في سورة العقود (110) وقوله: {وما علمناه الشعر} في سورة يس (69)، ولا يقال: علّمته زيدًا صديقًا، وإنما يقال: أعلمته زيدًا صديقًا، ففعل عَلِم إذا ضُعّف كان بمعنى تحصيل التعليم بخلافه إذ عُدّي بالهمزة فإنه يكون لتحصيل الإِخبار والإِنباء.وقد عدد الله في هذه السورة نعمًا عظيمة على الناس كلهم في الدنيا، وعلى المؤمنين خاصة في الآخرة وقدم أعظمها وهو نعمة الدين لأن به صلاح الناس في الدنيا، وباتباعهم إياه يحصل لهم الفوز في الآخرة.ولما كان دين الإسلام أفضل الأديان، وكان هو المنزّل للناس في هذا الإِبَّان، وكان متلقى من أفضل الوحي والكتب الإِلهية وهو القرآن، قدمه في الإِعلام وجعله مؤذنًا بما يتضمنه من الدين ومشيرًا إلى النعم الحاصلة بما بين يديه من الأديان كما قال: {هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه} [الأنعام: 92].ومناسبة اسم {الرحمن} لهذه الاعتبارات منتزعة من قوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107].و{القرآن}: اسم غلب على الوحي اللفظي الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم للإِعجاز بسورة منه وتعبُّد ألفاظه.خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3).خبر ثان، والمراد بالإِنسان جنس الإِنسان وهذا تمهيد للخبر الآتي وهو {علمه البيان} [الرحمن: 4].وهذه قضية لا ينازعون فيها ولكنهم لما أعرضوا عن موجَبها وهو إفرادُ الله تعالى بالعبادة، سيق لهم الخبر بها على أسلوب التعديد بدون عطف كالذي يَعُد للمخاطب مواقع أخطائه وغفلته، وهذا تبكيت ثاننٍ.ففي خلق الإِنسان دلالتان: أولاهما: الدلالة على تفرد الله تعالى بالإِلهية، وثانيتهما: الدلالة على نعمة الله على الإِنسان.والخلق: نعمة عظيمة لأن فيها تشريفًا للمخلوق بإخراجه من غياهب العدم إلى مَبْرَز الوجود في الأعيان، وقُدّم خلق الإِنسان على خلق السماوات والأرض لما علمت آنفًا من مناسبة إردافه بتعليم القرآن.ومجيء المسند فعلًا بعد المسند إليه يفيد تقوّي الحكم.ولك أن تجعله للتخصيص بتنزيلهم منزلة من ينكر أن الله خلق الإنسان لأنهم عبدوا غيره.عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4).خبر ثالث تضمن الاعتبار بنعمة الإِبانة عن المراد والامتنان بها بعد الامتنان بنعمة الإِيجاد، أي علّم جنس الإِنسان أن يُبين عما في نفسه ليفيده غيره ويستفيد هو.والبيان: الإِعراب عما في الضمير من المقاصد والأغراض وهو النطق وبه تميز الإِنسان عن بقية أنواع الحيوان فهو من أعظم النعم.وأما البيان بغير النطق من إشارة وإيماء ولمح النظر فهو أيضًا من مميزات الإنسان وإن كان دون بيان النطق.ومعنى تعليم الله الإِنسان البيانَ: أنه خلق فيه الاستعداد لعلم ذلك وألهمه وضع اللغة للتعارف، وقد تقدم عند قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} في سورة البقرة (31).وفيه الإِشارة إلى أن نعمة البيان أجل النعم على الإنسان، فعدّ نعمة التكاليف الدينية وفيه تنويه بالعلوم الزائدة في بيان الإنسان وهي خصائص اللغة وآدابها.ومجيء المسند فعلًا بعد المسند إليه لإِفادة تقوّي الحكم.وفيه من التبكيت ما علمته آنفًا، ووجهه أنهم لم يشكروه على نعمة البيان إذ صرفوا جزءًا كبيرًا من بيانهم فيما يلهيهم عن إفراد الله بالعبادة وفيما ينازعون به من يدعوهم إلى الهدى. اهـ.
ويقال: إِنَّ اشتقاق الإِنسان من الإِيناس.وهو الإِبصار والعلم والإِحساس لوقوفه على الأَشياءِ بطريق العلم، ووصوله إِليها بواسطة الرُّؤية، وإِدراكه لها بوسيلة الحواسّ.وقيل: اشتقاقه من النَوْس بمعنى التَّحرك؛ سمّى لتحرّكه في الأُمور العظام، وتصرُّفه في الأَحوال المختلفة، وأَنواع المصالح وقيل: أَصل النَّاس النَّاسى.قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} بالرّفع وبالجرّ.والجرّ إشارة إِلى أَصله: إِشارة إلى عَهد آدم، حيث قال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ}، وقال الشاعر: وقال الآخر: وفى المثل: الإِنسان عُرْضة النسيان، وجلسة النّسوان.وقيل: عجبًا للإِنسان، كيف يُفلح بين النسيان والنِّسوان.
|